آخر المقالات

مصر ....غزة ... والاستثمار الدائم



مصر .... غزة ...والاستثمار الدائم
بداية  أقدم شكري الدائم لأعز البلاد إلي قلبي مصر الغالية .... والتي أسعد بالكتابة عنها وعن مواقفها وذكرياتها  التي لا يمحوها  الزمن .... مهما اشتدت عواصفه وأزماته وتقلباته ....لأن الثابت سيبقي شامخا ......لعلاقات متميزة وإستراتيجية ..... لا تهزها ....ولا تقتلعها ...كافة الرياح العاتية ....ومهما اشتد فعل الشياطين ....في هذا الزمن الذي تنتشر فيه جماعات الإرهاب التكفيري .... التي تحاول جهدها بأن تجعل من التاريخ والواقع عبئا ثقيلا علينا ..... وعلى أشقائنا ....بمصر الكنانة ....مصر العروبة .... والإسلام ...والأزهر الشريف .
ما بعد الشكر الدائم لمصر الشقيقة ....أشكر الأخ والزميل الكاتب الصحفي طارق حسن على مقالته بعنوان ( في فضل استثمار مصر في غزة )
وأنا لا أختلف بالمطلق على ما جاء بالمقال ولكنني أضيف بقدر جهدي ...وبحكم تجربتي ...وما تعايشت فيه من زمن في ظل ظروف القطاع ...إبان الإدارة المصرية .
وحتى أكون منصفا للتاريخ ....ولطبيعة العلاقات المتميزة والإستراتيجية مع الشقيقة مصر ....أؤد التذكير ببعض النقاط حتى تطلع عليه الأجيال التي لم تكن تعيش بتلك الفترة الزمنية ...وحتى تتأكد من طبيعة العلاقة الإستراتيجية التي تفوق بإخوتها ومحبتها كل علاقة يمكن تصورها .
أولا : كان يربط مصر بالقطاع خط السكة الحديد من محطة مصر بالقاهرة الي محطة غزة بحي الشجاعية وحتى أخر محطة بمنطقة تسمي المحطة بحي التفاح .
ثانيا : الطريق البري الرابط بين غزة من شمالها وحتى القاهرة مرورا بشارع رئيسي رابط .... والمسمي بشارع صلاح الدين وحتى رفح والطريق الدولي الممتد عبر رفح المصرية والشيخ زويد والعريش وبئر العبد وحتى منطقة القناة القنطرة والتي كانت تمر عبرها ..... سيارات الركاب الأجرة والملاكي  الي القاهرة .... والي أي محافظة من محافظات مصر  والي الخارج .
ثالثا : منطقة بور سعيد ( ميناء بورسعيد ) كانت تصل اليه البضائع المستوردة الي القطاع والتي يتم شحنها بشاحنات  وعربات كبيرة الي داخل القطاع .... وتوزيعها على كافة التجار .
رابعا : البعثات المصرية التي كانت تصل للقطاع بصورة يومية عبارة عن عدة أتوبيسات ومجموعات عبر القطار اليومي لشراء الاحتياجات المستوردة من محلات القطاع  باعتبار القطاع منطقة سوق حرة .
خامسا : القوات المسلحة المصرية وعبر سياراتها كانت تصل للقطاع من شبه جزيرة سيناء لشراء بعض الاحتياجات الخاصة وبما يميز القطاع من منتجات شامية  وحلويات كان يتم تغليفها وتحميلها داخل السيارات من  محلات عديدة .
سادسا : عبر القطار اليومي كانت تصل البضائع بأنواعها المتعددة ....كما كانت تصل الصحف والمجلات اليومية الأهرام الاخبار .....الجمهورية ....والمساء ...ومجلات أخر ساعة ...والمصور ...وحواء..... وكنا نقرأ للعديد من الكتاب المصريين والذين ساهموا مساهمة فاعلة بتعزيز الثقافة والوعي الفلسطيني وهذا يعتبر أحد الاستثمارات الرئيسة التي اكتسبتها الأجيال عبر الاعلام المصري وكتابه ...ولم يكن داخل القطاع الا صحيفة اخبار فلسطين ....ورئيس تحريرها الاستاذ زهير الريس رحمه الله .
سابعا: وسائل الاعلام المرئي والمسموع كانت تصل الي القطاع عبر التلفزيون العربي المصري وعبر الاذاعات صوت العرب واذاعة صوت القاهرة وغيرها من الاذاعات المحلية بالمحافظات المصرية والتي كانت تشاهد وتسمع بصورة واضحة داخل القطاع وما ساهمت به من ثقافة ووعي وطني وقومي للرأي العام داخل القطاع .
غزة كانت عبارة عن 3 شوارع رئيسة : شارع عمر المختار وهو الشارع الرئيسي والممتد من منطقة المحطة بالشجاعية الي منطقة ميناء غزة القديم على بحر غزة .
والشارع الثاني تم افتتاحه وتوسعته من خلال الادارة المصرية والمسمي بشارع الوحدة والممتد من حي الشجاعية حتى واجهة مستشفي الشفاء .
الشارع الثالث شارع جمال عبد الناصر والمسمي أيضا بشارع الثلاثيني والممتد من دوار عسقولة حتى منطقة أنصار .
غزة كانت تعيش على الزراعة و الخضروات والحمضيات التي كان يتم تصديرها عبر البحر من خلال قوارب صغيرة ....وهي بداخل صناديق مغلفة خشبية الي عمق البحر حيث البواخر الأكبر .... لتحميلها الي بعض البلدان ..... الأوروبية والي ميناء بيروت .
غزة كانت تعيش بظروف اجتماعية قوية ....وظروف أمنية لا اختراقات فيها في ظل قوة شرطية صغيرة .... وادارة مصرية تسير امور التعليم والصحة ..... والخدمات .... اضافة للمهام الأمنية والسيادية .
غزة كان فيها فرعا لبنك الاسكندرية .....كما فرع أخر للبنك العقاري .... اضافة لبعض البنوك الفلسطينية كبنك الأمة ....وبنك فلسطين .
غزة كانت تعيش ذكريات ومناسبات عديدة بذكري ثورة 23 يوليو 52 كما ذكري الانسحاب الاسرائيلي بالعام 56 وذكري عودة الادارة المصرية والتي كانت تسمي باحتفالات 7 و14 مارس والتي كانت تجري بملعب اليرموك وسط مدينة غزة .
البعثات الفلسطينية من أطباء ومهندسين ومعلمين ومهنيين  كانت تنظم بحكم تنسيق مصري لعمل تلك البعثات ....بالسعودية والكويت ودول الخليج وحتي داخل مصر مما كان يوفر أموال للأسر الفلسطينية من خلال أبنائهم العاملين بالخارج .
حركة التجارة بين القطاع ومصر ...حركة دائمة ...من خلال شراء البضائع المصرية المنتجة داخل مصر ..... من مواد غذائية وملابس قطنية وغيرها ..... كما كان هناك اذونات استيراد (كوتة ) كانت تمنح لبعض التجار من أصحاب المهن المتعددة حتى يتمكنوا من الاستيراد من الخارج عبر ميناء بور سعيد.
النقد المستخدم داخل القطاع كان الجنيه المصري مع وجود عملة الدولار الأمريكي بحكم وجود قوات الطوارئ الدولية .
اليات سفر المواطنين الي مصر من داخل القطاع سواء عبر القطار أو البر كانت تتم بصورة سهلة وميسرة ومن خلال اذن أو تصريح خروج تتم الموافقة عليه من السلطات المحلية داخل القطاع .
مصر ....وغزة وكما يقال (حتة واحدة )..... لم نعرف على مدار حياتنا الا مصر ..... ولم تعرف مصر بالجزء الممتد على حدودها الا نحن أهل غزة باعتبارنا جزء أصيل وهام ضمن منظومتها الاجتماعية والأمنية والسيادية ..... على اعتبار أننا جزءا هاما من الأمن القومي المصري ....وكما يقال خط الدفاع الأول .
مصر الكنانة ....والعروبة .... لم تكن بلدا عادية بالنسبة للقطاع ....ولم تكن العلاقة معها علاقة اعتيادية .... بل تفوقت وتنوعت وشملت كافة مناحي الحياة ...حيث تعلمت كافة الأجيال داخل مصر ..... وامتهنت كافة المهن .... حتى أن بعض سكان القطاع تملكوا داخل مصر ...وعملوا بالتجارة واستقروا بداخلها وكان يتم التعامل معهم تعامل المصريين داخل وطنهم ...وبامكان الجميع التجول بشوارع وسط البلد ..26 يوليو ...وعبد  الخالق ثروت لتجد عشرات المحلات أصحابها فلسطينيين .
لم نشعر للحظة واحدة أننا غرباء ..... أو أننا من بلد أخر ....بل الشعور الدائم والملازم لنا أننا مصريين ...ونعيش على أرضها ...ونتعايش مع شعبها .... ونتشارك بكافة مناحي الحياة ....وحتى بالعلاقات الاجتماعية والزواج وغيرها من العلاقات الانسانية .
مصر استثمرت كل امكانياتها الوطنية والقومية ....الاقتصادية الثقافية الاعلامية ....الاجتماعية .... وحتى جهودها السياسية والامنية ..... لتعزيز مقومات المجتمع الغزي على مدار سنوات طويلة ....ولا زالت مصر حاضرة وفاعلة ...ومساهمة بكل ما تملك من أجلنا .
غزة كان فيها بعض المقرات المعروفة حتى الان .... مبني السرايا المهدم الان ....ومقر المجلس التشريعي الحالي الذي كان مقرا للحاكم الاداري العام المصري .... وحتى قصر الحاكم المسمي قصر الضيافة .....والذي كان مقر سكن الحاكم الاداري العام وأذكر في ذلك الوقت الفريق أول يوسف العجرودي الحاكم العام  ....كما منطقة الجندي المجهول باعتباره رمزا للجندي المصري ووفاءا لشهداء مصر الذين دافعوا عن غزة وفلسطين عبر حروب ل 48 – 56 – 67 من القرن الماضي .
يوم الاثنين الخامس من حزيران 67 كان يوما عاصفا لحرب مفاجئة لعدوان اسرائيلي غاشم ...على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ....وما أسفر عنه من نتائج باحتلال القطاع وسيناء ...اضافة للضفة الغربية والقدس .
مرحلة جديدة بدأت على سكان القطاع تختلف كليا عن مرحلة ما قبل الاحتلال .
غزة بأهلها المحبين والعاشقين لمصر .... ولشعبها الطيب ....وعائلاتها المجتمعة على محبة مصر وشعبها .... والعاشقة لترابها ...ونيلها .... ليس مجرد كلام نظري .... أو محاولة للتذكير بتاريخ مضي ..... بقدر ما يعبر عن واقع حقيقي .... لمشاعر ثابتة .... ولتاريخ ممتد لا زال يتواصل بفعل استثمار مصري حقيقي ..... داخل كل أسرة فلسطينية ....من خلال الأجداد والاباء .... وما تم توارثه للأبناء  وللأجيال .
مصر وقد استثمرت بالقطاع منذ عقود طويلة .... كل ما تمتلك من مقومات وحضارة وكانت تتعامل مع القطاع باعتباره جزء أصيل ...ومحافظة من محافظات مصر .... بل وللحقيقة والتاريخ كنا نشعر بمعاملة متميزة ومتفوقة عن أشقائنا المصريين ...حتى ونحن بالجامعات....وحتى بحالة التنقل والسفر ونحن نحمل جواز عنوانه الجمهورية العربية المتحدة ....وثيقة سفر للاجئين  الفلسطينيين .....وبعد ذلك أصبح الجواز باسم جمهورية مصر العربية .... وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين بعد انفصال الوحدة السورية المصرية ..... وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات ....وما قبله بعهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .
مصر بحقيقة الأمر استثمرت الكثير .... بداخل القطاع ..وكان لاستثمارها عائدا مجزيا .... برغم حالة الانقطاع والاحتلال ....ومجمل المتغيرات والتقلبات التي أحدثها الزمن وتعدد الأجيال وما ظهر من متغيرات سياسية ...وفصائل فلسطينية ...وأجيال شابة يجهل بعضها مصر ومكانتها ...وما استثمرته داخل القطاع والذي كان له عائدا مجزيا ومستمرا حتى يومنا هذا .... وعلى كافة المستويات وبكافة مناحي حياتنا .
هذا ما يؤكد على أن لمصر مكانة خاصة ومتميزة ..... كما ويؤكد على ضرورة الاستمرار بالانفتاح المصري على غزة وبكل الطرق والوسائل لتسهيل حركة المرور .... بالدخول والخروج لما لغزة من أهمية خاصة لمصر .....كما لمصر من اهمية استراتيجية لغزة .
ونحن أمام تحديات تواجه أمن المنطقة من خلال جماعات ارهابية تكفيرية ....وأفكار متطرفة ...وعقول منحرفة ..... لم نعتاد عليها ولم تكن لدينا ....ولم نعرف عنها .... ولم نشاهدها ...ولم تعش بيننا ....كما لم يتم الاستثمار فيها .....لأنها لا تعرف مصر وشعبها ومكانتها الكبيرة لدينا ..... مما جعل البعض القليل من الذين انحرفت أفكارهم وسلكوا طريق الشيطان .....أن يلتقوا مع شياطين الزمن بمجموعات قتل وإرهاب ....لا علاقة لغزة بهم ....كما لا علاقة لأهل غزة بمثل هؤلاء ....لأن غزة وعبر تاريخها القديم والحديث كانت جزءا أصيلا من الأمن القومي المصري ..... كما أنها جزءا أصيلا من المجتمع المصري بحكم علاقات أخوية ....واجتماعية .... اخذت بالتطور عبر سنوات طويلة ...وحتى يومنا هذا .
وحتى تدرك الأجيال ....وما تسمع من الكبار ممن عاشوا ابان الادارة المصرية .....أننا قد مارسنا الديمقراطية والانتخابات في ظل حكم الرئيس الخالد الراحل جمال عبد الناصر.... حيث تم اجراء انتخابات الاتحاد القومي بكافة أحياء غزة لانتخاب ممثلين  عن كافة الأحياء والذين كانوا يشكلون أعضاء المجلس التشريعي وبمكانه الحالي اليوم ... والذي كان يتراسه الحاج راغب العلمي  في مرحلة محددة .
كما ونحن نتحدث عن مصر واستثماراتها ..... فأغلى الاستثمارات كانت دماء المصريين ...دماء جنود مصر الأوفياء..... الذين استشهدوا على أرض غزة ....في بيت حانون والمنطار وخانيونس ورفح ولن ننسي مجموعات الشهيد مصطفي حافظ الفدائية التي كانت تقوم بعملياتها داخل الاراضي المحتلة .
مصر استثمرت الكثير ...ولا زالت تستثمر الكثير من وقتها وطاقاتها ..... وتحركاتها السياسية والدبلوماسية لدعم القضية الوطنية الفلسطينية ....حتى ما زالت حتى يومنا هذا تعمل على انهاء الانقسام الاسود واتمام المصالحة الفلسطينية وتعزيز مقومات الصمود الفلسطيني .
هذا قدر مصر بمكانتها ودورها ..... وبمجمل استثماراتها .... الوطنية والقومية .... داخل هذا الجزء المسمي قطاع غزة والذي سيبقي وفيا .....وعلى العهد بأن يكون خطا مدافعا عن مصر وأرضها وسيادتها ...كما سيبقي وفيا ....باعتباره جزءا أساسيا من الامن القومي المصري .
شعب غزة...يجدد الوفاء الدائم لمصر العروبة .... أمام استثماراتها الدائمة .... ودعمها ومساندتها المستمرة والتي لا تتوقف مع تقلبات الزمن ....وحتى عهد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي .
الكاتب : وفيق زنداح

شكرا لك ولمرورك